المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما أجمله من احتواء


ريحانة القلب
07-24-2021, 05:00 PM
ربما عليه الصلاة والسلام لم يكن يعرف أن وفاة عمه، ستكون مثل تدريب لفقدان أكبر وأصعب سيحدث لاحقًا... بعد أشهر فقط...
كل شيء يحدث لحكمة.. وكل شيء يحدث وفق ترتيب.. كانت حكمته عز وجل، تصنع محمدًا عليه الصلاة والسلام.. لم تنته عملية الصنع.. كان في الخمسين صلاة ربي وسلامه عليه.. لكنه لا يزال يصنع... الكثيرون يتوهمون أن عملية صنع الإنسان تنتهي في عمر مبكر، وأن شخصية الإنسان قد تكتمل في العقد الثالث من العمر... لكن التجارب التي يمر بها الإنسان تستمر في صنعه وصياغته ما دام هو يتفاعل معها..
وها هو عليه الصلاة والسلام، في الخمسين، تصنعه تجربة عام الفقدان وتعده لما هو أقوى.. تعده لمرحلة مختلفة تمامًا..
بالنسبة له عليه الصلاة والسلام، ورغم أنه ولد يتيمًا وفقد والدته في عمر صغير، فإن الخطة الإلهية له أعطته بدائل دائمة... جده عبد المطلب... عمه أبا طالب... ومن ثم لاحقًا السيدة خديجة..
اليوم، الخطة الإلهية تريد منه أن يجد البدائل على نحو مختلف...
اليوم ستسحب الخطة الإلهية منه البدائل السابقة.. ستحرمه منها.. لا عقوبة.. ولكن تقوية له وحثًا على الاستعداد لمرحلة جديدة..
يحدث هذا دومًا بالمناسبة... يمنحنا الله في رحلة حياتنا الكثير من المعونات والإمدادات، ثم في مرحلة ما نفقدها... ليس هذا عقوبة بالضرورة... ولكن الإمدادات بطبيعتها تكون مرحلية ومؤقتة.. وإذا بقيت الحاجة لها طيلة الرحلة فهذا يعني أننا قد اعتمدنا عليها أكثر مما يجب..
على العكس، فقدانها يجب أن يجعلنا نجد الإمداد في دواخلنا..
وهكذا كان في تلك الرحلة العظيمة التي قطعها عليه الصلاة والسلام.. كان عليه أن يفقد مصادر الدعم التي سارت معه الرحلة في السنين السابقة..
حساب اليوم، شيء ثانٍ...
****
فلننتبه هنا إلى أن الدعم الذي قدمه أبو طالب كان مختلفًا جدًا عن دعم السيدة خديجة..
دعم أبي طالب كان دعمًا خارجيًا.. كان دعمًا بمواجهة العالم المحيط.. بمواجهة قريش والملأ المتحكم فيها وسطوته.. كان دعم مكانة واحترام ووجاهة..
دعم السيدة خديجة كان أكبر بكثير داخليًا... صحيح أنه اشتمل على الدعم الخارجي (ممثلًا في مكانتها الاجتماعية وقدرتها المادية) لكن الجزء الأهم كان الدعم الداخلي...
.. النساء عمومًا حباهن الله بالقدرة على الاحتواء والدعم، ربما كجزء من متطلبات الأمومة ونتائجها... وربما هذا جزء مما أثبتته الدراسات بأن النساء عمومًا يسجلن نقاطًا أعلى من الرجال فيما يعرف بالذكاء العاطفي، وهي قدرة الشخص على التعامل مع عواطفه وعواطف الآخرين.. وهذا يشتمل على التعاطف، والفهم الاجتماعي..
الفرق بين دعم أبي طالب ودعم خديجة هو الذي جعل محمدًا يهرع إليها يوم جاءه الوحي.. لم يذهب إلى عمه.. بل لم يفكر بذلك.. نزل ليلتها مسرعًا من الغار وهو يريد خديجة.. لأنه يعرف أن ما جاءه كان يحتاج إلى هذا الدعم الداخلي الذي يمده بالقوة من الداخل...
سيدة نساء الأرض كانت سيدة الاحتواء والدعم والاحتضان... دعمها كان الفهم والتفاهم والتواصل والإسناد والتشجيع والإيمان.. الإيمان بمعنى أنها آمنت بمحمد عليه الصلاة والسلام منذ بداية البداية يوم عبر لها عن خشيته على نفسه أن يكون قد مسه شيء يوم جاءه الوحي أول مرة... فقالت له كَلَّا، أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ...
لقد دخل عليه الصلاة والسلام مهمة النبوة وهناك من يؤمن به سلفًا ويمده بدعم كهذا..
وهذا ما سيفقده بموتها...
سيفقده من أجل الإعداد لمهمة أصعب، سيكون هو من يقدم الدعم والاحتواء فيها للآخرين...
بل لجموع الآخرين..

من كتاب " السيرة مستمرة"
للدكتور / أحمد خيري العمري

صواديف عشاق
07-27-2021, 05:58 AM
عواافي ع مااجلبته رائع جداً
طبتي بخيرروعافيه https://s-eshq.com/vb/images/smilies/1%20(2).gif:img_17:

ريحانة القلب
07-27-2021, 02:53 PM
:img_17: صواديف عشاق :img_17:

شكرا لأنكِ هنا
فقد إزداد الوهج
فيض تقدير وإحترام