المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الله منعك ليعطيك


ريحانة القلب
02-04-2023, 12:40 PM
الولد يدرس ويريد أن يحقق لوالده أمنيته في أن يتعلم ويساعده في الإنفاق على أخواته الصغار؛ لأن الوالد مزارع بسيط، وأمه سيدة بيت أصيلة.

كل أمنياتهم أن يعلِّموه ويروه طبيبًا، وفعلًا تفوق في الثانوية واحتل المركز الأول ودخل كلية الطب.
وعلا سقف أمانيه، فاجتهد أكثر وأكثر لكي يكون الأول ثم يُعين معيدًا في الكلية ومن ثم يحصل على الدكتوراة في الطب حتى يستطيع أن يشرِّف والديه ويفرحهم.

اللذين كانا يبيعان كل متاعهما حتى باعا الخشب الذي كان يغطي سقف البيت حتى صار البيت عاريًا من السقف إلا حجرة يستترون بها هو وأمه وأخواته لكي يحقق لهم أمانيهم. وبالفعل تم له ما أراد.
أخيرًا تخرج، وكان الأول بامتياز مع مرتبة الشرف.
وفي فرحة غامرة لوالديه بهذا النجاح الباهر وفي انتظار تعيينه معيدًا في الكلية، إلا إن الولد لم يجد اسمه ضمن الذين اختيروا ليكونوا معيدين، ووجد أسماء الذين عُينوا وكانوا هم ابن عميد الكلية وقريب له آخر.
كانت الصدمة كبيرة.. أخذ يبكي بكاءً مريرًا.
ذهب إلى عميد الكلية ليفهم منه ما حصل، ودخل إليه فقال له: ماذا تريد؟

قال له: أنا الذي حصلت على المركز الأول مع مرتبة الشرف. أنا المفروض أن أُعيَّن معيدًا كما هو متبع.
رد عليه وقال له: هل أنت الذي سوف يعلِّمني الصواب من الخطأ.. وطرده خارج المكتب.
خرج الطبيب الشاب مهزومًا مقهورًا منكسرًا ودموعه تنهمر.
ذهب إلى أبيه وأمه، فوجداه بحالة انهيار كامل، وما إن علما ما حدث له، حتى حزنا على حزنه.
بات الأب ليلته مهمومًا مغمومًا محسورًا فأُصيب بأزمة قلبية حادة، مات على إثرها. مات حزينًا على ما حدث لابنه. مات دون أن يحقق ما تمناه.

مات بعد أن باع كل ما يملك من أجل أن يحصد ثمرة صبره. ولكن كل شيء بقدر.
مر أسبوع مرير على هذه الأسرة، ثم ماتت الأم بعده بأسبوع.

ماتت قهرًا وكمدًا وحزنًا على الظلم الذي وقع على ابنها، وحزنا على أبيه الذي فارقها وهي تعلم مدى القهر الذي طال قلبه.

مات الأب والأم.
تبددت أحلام الفتى. قرر أن يجلس في قريته بجانب أخواته. كان يتمنى أن يكون له شأنه ويعوِّض والديه.

رضي بنصيبه مع قهر في قلبه وأخذ يدعو على من تسبب في ظلمه. كما دعا أبوه وأمه عليه قبل موتهما.
مر عليه صديقه ووجده مهمومًا.
قال له: ألم تُعيَّن معيدًا لأنك الأول مع مرتبة الشرف؟
قال: لا، إنها الواسطة يا صديقي.
قال له: لا تحزن.. تعالَ معي.. فهناك مسابقة للأطباء للسفر إلى السعودية.
قال له: اذهب أنت فليس معي ما أشتري به طعامًا لأخواتي.
قال له: والله لن أتركك.
رد عليه: حتى لو ذهبت ونجحت فليس معي أي نقود للسفر ولا ما أتركه لأخواتي. اتركني في حالي.
قال: والله لن أتركك.

كان يعلم مدى تفوقه وفضله على جميع زملائه أثناء الدراسة.
أقنعه بالسفر.
دخل المسابقة وبالطبع كان الأول على كل المتسابقين.
وأراد القائمون على المسابقة أن يعقدوا مقابلة مع هذا الفائز الأول.
وجدوه رث الثياب.. تعجبوا.. وأرادوا أن يسألوا أسئلة تعجيزية لهذا الشاب الذي قد يستبعدوه عن المسابقة بسبب ثيابه الرثة وهيئته غير المهندمة.
ومع كل سؤال يسأله الأطباء وجدوا أنهم أمام موسوعة طبية واعدة، وأنهم لا بد وأن يحتضنوا هذا الشاب العبقري.
قالوا بعد إجماع على تفوقه ونبوغه: جهز نفسك يا بني للسفر.

سكت الشاب، وعينه تنهمر من الدموع وقال: أنا لن أسافر.

سألوه: ولماذا يا بني ترفض فرصك عمرك؟!
قال لهم: أنا أعرف حظي. فقد فاتني ما كنت أستطيعه. أفأحصل على ما لا أستطيعه؟ خذوا أحدًا غيري، فليس معي ثمن جواز السفر ولا ثمن تذاكر الطيران، بل ليس معي حتى ثمن الرجوع إلى قريتي.
تساءلوا أكثر: ما قصتك يا بني؟ فلن نتركك مهما حدث.
حكى لهم قصته.
أعطوه النقود اللازمة لاستخراج جواز السفر وتذاكر الطيران. بل زادو على ذلك.
قالوا: اشتري لأخواتك ملابس وطعامًا واترك لهم ما يكفيهم من النقود واشتري لهم بيتًا جديدًا وسنتابعهم ولا تقلق عليهم.
بالفعل سافر. وحقق نجاحات باهرة في سنين قليلة وتدرج إلى أن أصبح أكبر طبيب في عصره، علم جميع أصحابه بهذه النجاحات وأخبروه بما لم يتوقعه.

فهذا العميد الذي ظلَمه وعين ابنه وقريبه، فقد تآمرا عليه بأن استغلَّا كل التوكيلات التي كان قد أوكلها لهما في جميع مستشفياته، وباعا كل أملاكه لأنفسهم.
حتى إنه بعد قهره ومرضه لم يستطع أن يدخل أي مستشفى من هذه المستشفيات التي كانت في يوم من الأيام ملكًا له.

فهكذا استجيبت دعوة الوالد والوالدة، ودعوة هذا الابن المظلوم.
وقد علم الدكتور العبقري أن هذا العميد يريد أن يعتذر له ويقول له سامحني على ظلمي لك.
فرد قائلًا: إن سامحتك في حقي فأنا خصيمك أمام الله يوم القيامة بسبب أمي وأبي اللذين ماتا حزنًا وقهرًا.
هكذا الأيام لنا فيها حكم بالغة.. فعاقبة ما فعله العميد نالها في الدنيا، وكذلك هذا العبقري لم يضيع الله اجتهاده.
فاعلم أن منع الله عطاء.
فالله منعك ليعطيك..

صواديف عشاق
02-04-2023, 06:32 PM
عواافي لذلك السرد اطيبهه جلبكك وفائدهه

يسعدك ربي :47(-0_0::img_144:

ريحانة القلب
02-05-2023, 10:57 AM
مرور جميل وراقي
شكرًا لكِ صواديف
:a 159ss::a 159ss::a 159ss:

سموالروح
08-17-2023, 02:46 AM
سلمت أناملك على الطرح الجميل
ما ننحرم من فيض عطائك وإبداعك
ننتظر كل جديد يفيض به قلمك

لك تحياتي وفائق شكري
ولك كل الاحترام

ريحانة القلب
08-20-2023, 11:39 AM
سلمت على التواجد العذب
و فخامة الحضور :5: سمو :5:
شكرًا لك