المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح حديث عائشة رضي الله عنها: "أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله


ملكة الحنان
11-26-2023, 05:41 AM
شرح حديث عائشة رضي الله عنها:
"أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفرٍ وقد سترتُ سهوة لي بقرامٍ فيه تماثيلُ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتَكَه وتلوَّن وجهه وقال: ((يا عائشة، أشدُّ الناس عذابًا عند الله يوم القيامة الذين يُضاهُونَ بخلق الله))؛ متفق عليه.

((السهوة)): كالصُّفَّة تكون بين يدي البيت. و((القِرام)) بكسر القاف: سترٌ رقيق. و((هتكه)): أفسَد الصورة التي فيه.

♦ وعنها رضي الله عنها أن قريشًا أهمَّهم شأنُ المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلِّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامةُ بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلَّمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتشفع في حدٍّ من حدود الله تعالى؟!))، ثم قام فاختطب، ثم قال: ((إنما أهلَكَ من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدها))؛ متفقٌ عليه.


قَالَ سَماحةُ العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
نقل المؤلِّف النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب الغضب إذا انتُهك شرع الله، وسبق لنا الكلام على الآيات التي صدر بها المؤلف هذا الباب، وأما الأحاديث فمنها حديث عائشة رضي الله عنها.

والأول أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم من سفر، فوجدها قد سترتْ سهوةً لها بقرامٍ فيه تماثيل، يعني فيه صورة، فهتَكه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأخبر ((أن أشد الناس عذابًا الذين يضاهون بخلق الله))؛ يعني المصورين، فهم أشد الناس عذابًا؛ لأنهم أرادوا أن يضاهوا الله سبحانه وتعالى في خلقه، وفي تصويره.

وكانوا فيما سبق يصوِّرون باليد؛ لأنه ليس عندهم آلات وأجهزة تلتقط الصور بدون عمل يدوي، فكانوا يخطِّطون بأيديهم، فيأتي الحاذق منهم ويصور صورة بيده على أنها كالذي صوَّره ويتقنها لتُشابِهَ صورة الله، ليقال: ما أشدَّ مهارةَ هذا الرجل، وما أعرفه! كيف استطاع أن يقلِّد خلق الله عز وجل؟

فهم يريدون بذلك أن يشاركوا الله سبحانه وتعالى في تصويره، وهو سبحانه وتعالى لا شريك له: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 6]، ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ [غافر: 64].

فهتَكه: يعني مزَّقه عليه الصلاة والسلام.

وفي هذا دليلٌ على مشروعية تمزيق الصور التي تُصوَّر باليد؛ لأنه يضاهي بها خلق الله عز وجل، وإقرار المنكر كفعل المنكر، وفيه الغضب إذا انتُهكت حرمات الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غضب وهتكه.

وأما في الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها في قصة المخزومية، وهي امرأة من بني مخزوم كانت تستعير المتاع فتجحده، يعني تأتي للناس تقول: أَعِرْني قِدرًا، أعرني إناءً، أعرني كذا، فإذا أعاروها جحَدتْ وقالت: لم آخذ منكم شيئًا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تُقطَع يدها؛ لأن هذا نوع من السرقة.

وكانت هذه المرأة من بني مخزوم، من قبيلة من أشرف قبائل العرب ذات الأهمية والشأن، فأهمَّ قريشًا شأنُها، وقالوا: كيف تُقطَع يد مخزومية؟ ثم طلبوا شفيعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. حِبُّه يعني محبوبه، يعني أنه يحبه.

وأسامة هو ابن زيد بن حارثة، وزيد بن حارثة كان عبدًا وهبته خديجةُ للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه، وأسامةُ ابنُه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبهما، وقالوا: ليس إلا أسامة بن زيد، فتقدم أسامة بن زيد رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشفع، فأنكر عليه وقال: ((أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟)).

ثم قام فاختطب، فخطب الناس وقال لهم عليه الصلاة والسلام: ((إنما أهلَكَ من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله - يعني أقسم بالله - لو أن فاطمة بنت محمد سرقتْ لقطعتُ يدها)).

والشاهد من هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام غضب لشفاعة أسامة بن زيد في حدٍّ من حدود الله، فالغضب لله عز وجل محمود، وأما الغضب للانتقام وحظِّ النفس فإنه مذموم، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حين طلب أحد الصحابة أن يوصيه، فقال: ((لا تغضب))، قال: أَوصِني، قال: ((لا تغضب))، قال: أوصني، قال: ((لا تغضب))، فالفرق بين الغضبين ظاهر.

الغضب لله ولشرائع الله محمود، وهو من هديِ الرسول صلى الله عليه وسلم، ودليلٌ على غيرة الإنسان وعلى محبته لإقامة شريعة الله، أما الغضب للنفس فينبغي للإنسان أن يكتمه وأن يحلم، وإذا أصابه الغضب فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كان قائمًا فليجلس، وإن كان جالسًا فليضطجع، كلُّ هذا مما يخفف عنه الغضب، والله الموفق.

المصدر: «شرح رياض الصالحين» (3/ 619- 622)

ريحانة القلب
11-26-2023, 06:29 AM
جزاكِ الله خيرًا
في ميزان حسناتكِ
:f09:

صواديف عشاق
11-27-2023, 01:55 AM
عواافي ع متصفحك وجمال
ورائع ماجلبتهه كفيك
لك رياحيين :261: