منتديات صواديف عشاق

منتديات صواديف عشاق (https://s-eshq.com/vb/index.php)
-   •₪•♔ ضفاف العام الحر♔•₪• (https://s-eshq.com/vb/forumdisplay.php?f=11)
-   -   أنت كريم ذاتك (https://s-eshq.com/vb/showthread.php?t=6261)

ملكة الحنان 12-18-2023 02:50 PM

أنت كريم ذاتك
 

أنت كريم لا تنكر ذاتك

د. محمد بدوي مصطفى


إنّ الكريم لكالربيع تحبه للحسن فيه

وتهش عند لقائه ويغيب عنك فتشتهيه

لا يرتضى أبداً لصاحبه الذي لا يرتضيه

وتراه يبسم هازئاً في غمرة الخطب الكريه

وإذا الليالي ساعفته فلا يدِلّ ولا يتيه

كالورد ينفح بالشذا حتى أنوف السارقيه

ما زلت أحفظ هذه الأبيات عن ظهر قلب ولا يزال صداها يرنّ في أذنيّ. أستذكر أيامي بمدرسة بيت المال الابتدائية ووقفة أستاذي عثمان الأمين، أستاذ اللغة العربيّة، بهيّ الطلّة، ناضر الأسارير، باسم المحيّا، ألق الهندام، جزل الكلمة، ودود الخلق، كنّا نعشقه، نمجدّه ونوّده نحن الصغار إلى أبعد الدرجات كأب يَرأمُنا وصديق نحتمي بلطفه عند الشدّة، تعلمنا على يديه حبّ هذه اللغة العظيمة، وطفنا معه أرجاء الدنيا على براق الأسطر وعلى صهوة أبيات الشعر نطرق بيبانها، الباب تلو الآخر. حدثنا في درسه ذات يوم عن شعراء المهجر وانتقى من بينهم في أول مرّة الشاعر إيليا أبو ماضي. بدأ يقرأ القصيدة وينثرها تبرا في أرجاء الفصل: سحر، جزل وإبداع. ثم يناجي الفصل:

تعرفون يا أبنائي: نرى في هذه الأبيات أن مفهوم كلمة “الكريم” قد تعدّى حدود الكرم بالقروش أو الهبات إلى مرحلة أكبر وأعمق منها هي مرحلة الخلق والقيم المعنويّة العليا. يقول: هل ترون في البيت الأخير جمال النغم وسحر الصورة التشكيليّة؟ تخيلوا أنفسكم في بستان مليء بالأزهار والورود، وكل زهرة تهب لنا شذاها وعطرها الأخاذ، فشاعر لبنان الأستاذ إيليا أبو ماضي يُشبّه الكريم بورود هذا البستان تماما. هل ترون الجمال؟ هذا البستان يجود، دون تردد، لكل فرد حتى لمن دخله من أجل أن يسرق أزهاره ووروده اليانعة الذكيّة. فالوردة نجدها كريمة لدرجة أنها لا تستثني أحدا، حتى ذاك الذي سرق عطرها وعبقه، ورغم أنه اجتثها وقتلها ظلما وعدوانا، وحتى ولو أنه دخل البستان خلسه وفي غفلة ليقطفها دون أن تراه الأعين. فالوردة أو الزهرة والكريم يلتقيان بل يجتمعان ويتناغمان في هذه الشيمة النبيلة: العطاء دون مقابل حسيّ، السخاء دون دافع ماديّ أو أي كان.

هذه الأبيات مرافعة إنسانيّة من الطراز الأول في البذل والعطاء والإخاء ونكران الذات وقد تتجاوز وتفوق درجات اللاحدود. فيجعل شاعرنا إيليا أبو ماضي من السخاء والكرم قضية أخلاقيّة وإنسانية ينبغي أن نقف إليها ونحن في حرمة هذه الأيام المباركة، فهو هاهنا قد جعل الكريم موضوعا محوريّا ووجوديّا رئيسا، وكل هذه حكم إنسانيّة ويوتوبيا فاضلة لزرع المودة والمحبّة بين الناس.
في سياق رمزية هذه المعاني ينتشي أيليا أبو ماضي بصفات العرب السمحاء ويحاول أن يوصل لنا رسالته قائلا إن مكانة الكريم في المجتمع مكانة سامقة نبيلة تبعث المحبّة والإعلاء تجاهه لما يتحلى به من صفات الخلّة التي تنعدم لدى الآخرين، إذ إن العادة السائدة، إذا رجعنا للأمثال والمقولات الشعبية توحي بالتقشف وجعل الأيدي مغلولة إلى الأعناق. لذلك تحتفي القصيدة التي نحن بصددها بالكرم في رمزيتها وبالإنسان الجوّاد. يشير فيها إيليا إلى أهم صفات العرب إطلاقاً: الكرم، فيحتفي بصاحبه ومكانته داخل المحيط المجتمعيّ، لن أفراده لا تكف عن محبته وإعلاء شأنه لما يتحلى به من خلة لا يتوافر عليها كل الناس، بسبب إدبار النفوس عن العادة النبيلة والصادقة في هذا الزمان، تلك التي تتطبع بالإملاق والتماوه عند الحاجة. فالجود ربما يُفقر الإنسان ماديّا لكنه يغنيه معنويّا وخلقيّا، والبُخل أردء الصفات البشريّة!
أبو ماضي، شاعر لبناني، ولد في قرية المحيدثة في جبل لبنان في عام 1980 (وفي بعض الروايات – طه حسين – 1891) وتوفي في مهجره بمدينة نيويورك عام 1957 وهو رسول للشعر ونبي للأدب بعيدا عن الوطن في وحدة ووحشة إلا من قوافٍ. سطع نجمه في الشعر والأدب في العقد الأول والثاني من القرن العشرين وكان – دون أدنى شك – أحد دعامات تأريخ الأدب العربيّ المعاصر في سياق “الرابطة القلميّة” بالولايات المتحدة الأمريكيّة التي جمعت إذ ذاك العملاقين الشاعر والأديب جبران خليل جبران والقامة ميخائل نعيمة. اتسمت قصائده بالحكمة والمواعظ وكأنه شافعي القرن العشرين، كما نلمس فيها حسّه وقلقه تجاه إصلاح المجتمع وتوطيد أسس التواصل الاجتماعيّ به كما السيد المسيح: إن صفعته في خدِّه الأيمن بسط إليكَ خدّه الأيسر لتعيد الكرّة. لذلك تتضمن أشعاره في رومانسيتها الزاهرة ورمزيتها الشفيفة مفاهيم ساميّة خيّرة لقيم المحبة، الإخاء، الجمال، التسامح والكرم.
ونجد تناصا في ثيماته ومواضيعه الشعريّة وشعر فطاحلة شعر العربيّة، كالمتنبي في قصيدته:



عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ

وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ

وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها

وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ

وتوحي أبيات المتنبي كما قصيدة الكريم أن الأنفس تضن بالنفيس، وتُذكِّرُ بحكمة جميلة أن من حاز صفة الجود فهو لا ينتمي إلى عوام الخلق، إذ تنصرف روحه الوضيئة النبيلة إلى البذل والعطاء فترتقي بذلك إلى أعلى الدرجات، ارتقاء النفوس إلى درجة الكمال والكمال لله. ولذلك يُكِنّ له البشر جُلّهم محبة وود ويستبشرون ويهشون ويبشون لرؤيته، كما لو كان شمساً تنبلج في دوامس المجتمع وأرجائه الحالكة.

[/align]

ريحانة القلب 12-18-2023 05:12 PM

يعطيكِ العافية لطرحكِ الراقي
لكِ مني كل التقدير
:239sd::239sd:

صواديف عشاق 12-18-2023 11:37 PM

عواافي ملكة جلبك لك :37dc-496:hr3


الساعة الآن 08:49 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
This Forum used Arshfny Mod by islam servant

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009