منتديات صواديف عشاق

منتديات صواديف عشاق (https://s-eshq.com/vb/index.php)
-   قسم القصص والحكايات (https://s-eshq.com/vb/forumdisplay.php?f=94)
-   -   شبح في وضح النهار (https://s-eshq.com/vb/showthread.php?t=6298)

ريحانة القلب 12-21-2023 03:58 AM

شبح في وضح النهار
 
إنها الثانية ظهرًا و الشمس حارقةً بأشعتها التي تخترق زجاج سيارتي تلتهم وجهي التهامًا! العرق يتصبب مني كشلالات تأبى التوقف، إنه بالتأكيد ليس وقتي المفضل بل إنه الأسوأ! أقود على الطرقات و أسلك الشوارع علّني أجد ضالتي هنا أو هناك في عميل يريد مني التوصيل، أتمنى طوال الوقت أن يكون ذلك العميل أصمًا أو هادئًا على الأقل فأنا لا أتحمل ثرثرة هؤلاء الذين لا ينسون جزءً واحدًا فقط من قصة حياتهم إلا و يزعجون به أذني المسكينة، هل يُخيل لهم أنني حلال مشاكلهم الإجتماعية و الحياتية؟! ألا يبدو جليًا علي أنني سائق تاكسي ليس إلا!!
قطعت أفكاري المتزاحمة تلك العجوز على جانب الطريق! و ها قد اكتملت مشقتي!! إنهم الأسوأ على الإطلاق! لا أطيق حرفيًا العجزة أو التعامل معهم، الغالبية منهم حتى لا يدفعون أجرتي و يذهبون في طريقهم كأني عاملٌ بإحدى الجمعيات الخيرية للتوصيل!
توقفت حدّها ففتحت باب سيارتي بيدٍ واهنة و أشفرت بالدخول، نعم كالعادة ستقضي اليوم كله فقط لتقتعد السيارة!
"إلى أين؟!" سألتُ!
"إلى حيث ولدي" أجابت بكل بساطة مما زاد امتعاضي و كأني على علم بها لأعرف ولدها!!
"و أين ولدكِ يا خالة!" سألت بامتعاض..
" في المقابر يا بني." أجابت فشعرت بشيء من الشفقة و رَغدتُ من نبرتي في الحديث.
"أيهن يا خالة؟! تلك التي في الشرق أم في الشمال؟" سألت فابتسمت بخفوت فأثارت تعجبي وفضولي.
"أراك رفهت من صوتك و توقفت عن تأففك المستمر منذ رؤيتي! قُد إلى الشمال يا بني!" قالت فأثارت دهشتي بقوة وسارعت في القيادة كالآلة! أكانت تعابيري واضحةً لتلك الدرجة! خبرتي العملية مرستني على إخفاء مشاعري الدفينة، علمتني النفاق!
" معذرة يا خالة لكن..." حاولت التبرير بأي شيء كالعاجز تمامًا! مهلًا لمّ انقلب الوضع توًا لتلك الزاوية؟! لكن هي فالأساس لم تتركني أكمل تبريري الذي لن يكون منطقيًا أبدًا و أنا كلي علم!
"يا بني! وفاة ولدي لن يجعل مني عجوزًا قاربت على السبعين مكسورة الظهر ولو كان ولدي الوحيد! نعم إن اشتياقي له لا يرحم صدري التي تكدست من الدخان لاحتراقه المستمر! لكن و رغم ذلك فأنا عجوزٌ قد توفي ولدها شهيدًا على أرض معركةٍ فكيف لي أن ينعكف ظهري أو ترق عيني دَمعًا و لو أردت! على كلٍ لن أطيل الحديث لأنك ستردد بداخلك ها هي تلك العجوز قد بدأت بثرثتها المملة كبقية العجزة!" أردفت كلماتها ومع كل كلمة تزداد دهشتي حتى انقلبت دهشتي للصدمة مع كلماتها الأخيرة!!
"مهلًا يا خالة أنا لم..." و مجددًا ها هي تقاطعني!! لماذا لا أستطيع النطق بولا كلمة أمامها!! لماذا أصبحت عاجزًا كطفلٍ لا يعي كلماته!!
" اسمعني يا بني! لقد عشت ضعف عمرك من سنين! أتستهين بخبرة حياتي التي صنعتها بشق الأنفس و انعجاف الظهر! منذ أن رأيتك وقد استشفيت منك تذمرك الذي لم يطق وجودي و على الأرجح لقد رددت بداخلك أن يومك قد اكتملت مشقته بتوصيلي، نعم! أنت من تلك الفئة من الناس، الذين يتذمرون من كل و أي شيء، بحقك!! لقد تأففت و أنا أدخل السيارة فما بالك لو تحدثت معك بضعة كلمات!" أنهت حديثها و فتحت لي المجال بالرد لكن صدمتي أوقفتني عاجزًا أمام ذلك الجبروت الذي يجلس بجانبي! فقط من الأفضل أن أبقى صامتًا أمام نتيجة الزمن تلك كقليل من التقدير و الاحترام على الأقل!
" لا بد و أنك تعاتب ذاتك الآن لعدم قدرتها على الرد، ذاتك خائفة بل مرتعدة من مجابهتي فقد استشفت قدرتي على رؤيتها بالكامل! أهو الخجل أم الخشية من كسر حاجز النفاق؟ أيًا يكن! الحياة يا ولدي طرق و مسارات، كل منا يشق طريقه وكم تلك الطرق قاسية! منهم من تفوق حياته مسعاه وقدرته و الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها فيرميك في طريقها للبوح بالقليل أو حتى الكثير لعلك بكلمات ضئيلة تهون عليها ركبها و تساعدها على الاستمرار، نعم قد اختارك الله هديةً لأحدهم يومًا ما فأطل بالك و أسع صدرك لحياتك و الناس و لا ترد من لجأوا لك يومًا و لو بكلمات فالدنيا دوارة و إن كان يومٌ لك فيومٌ عليك، فأحسن من كان لك ليتحسن من سيأتي عليك!"
قالت كلماتها و كأنها مرسال من عند الله لأفهم ما أنا عليه و ما سأغدو، تلك الكلمات القليلة كبيرة في حقي و لكنها على صواب، و اقترابي من وجهتنا يزيد ألم صدري لفراق تلك الجدة؟ أتعلقت بها؟ أيعقل؟!
"شكرًا لك يا بني تستطيع التوقف هنا!" لم أنتهِ من تفكيري حتى وجدتني أمام بوابة المقابر..
فتحت باب سيارتي بوهن ثم خرجت منها و اتجهت صوب نافذتي و مدت يدها ببضعة عملاتٍ معدنية مبتسمةً.
"لا تقلق لن أذهب دون دفع أجرتي!" قالت فابتسمتُ ومددت يدي لأجرتي فالتفت العجوز مقهقهة و بادرت إلى المضي قدمًا بعد أن عبرت البوابة...
كل تلك الكلمات و الافكار تتردد برأسي متزاحمة حتى وجدتني أهرع بالخروج من سيارتي و ليس ببالي سوى أن كلمات الشكر الآن أضحت واجبة!! لكن المفاجأة كانت هنا! لم أرى عجوزًا على طول الطريق! أهي بتلك السرعة! هرعت للحارس و سألته: "عمي ألا تعرف أين ذهبت تلك العجوز منذ قليل؟"
ارتفع حاجبي الحارس بعدم فهم قائلًا و هو يسكب دلو ماء مثلج على رأسي: "أي عجوزٍ يا بني! لم يزر المقابر أحدٌ اليوم!! أنت أول العابرين من تلك البوابة هنا!"
لم أستطع الرد! لم أستطع الوقوف! لم تحملني قدماي فقط سقطت أرضًا بلا حول لي و لا قوة و كل ما يجول برأسي: "أكان ذلك شبحًا في وضح النهار!!"

أمير 01-06-2024 02:29 AM

سلمت يمينك..
طرح فاائق الجمال ..والروعه
تحياتي لك..

ريحانة القلب 01-06-2024 12:32 PM

:37dc-091:آمير :37dc-091:
الله لا يحرمنا نور وجودك
شكرًا لك
:1 (2)::1 (2)::1 (2):

صواديف عشاق 01-07-2024 03:19 AM

عواافي ورائع النور وجلبك الجميل للقصه
لكم عبق:4555:

ريحانة القلب 01-08-2024 12:52 PM

:pan: صواديف عشاق :pan:
حضور مرتقب يبهج العين
الشكر لك
ولكِ كل إحترام وتقدير


الساعة الآن 09:52 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.
This Forum used Arshfny Mod by islam servant

vEhdaa 1.1 by NLP ©2009