منتديات صواديف عشاق - ما الفرق بين السيرة والرواية؟

هناك مجموعة من الفروق، سواء في الشكل والمضمون. أوّلاً؛ البطولة في السيرة لا تكون لشخص عادي، بل تكون للملك أو الزعيم القومي أو القائد العسكري أو السياسي أو الديني. وهذا يجعل السيرة شبيهة بالملحمة. أما الرواية، فالبطولة فيها تكون للشخص العادي، وهذا فرق جوهري يقوم على كثير من الجدال الفلسفي والسياسي (الثوري) لا يتسع المجال لذكره الآن. ولأنني أتحدث عن الفرق بين السيرة والرواية وليس عن الفرق بين السيرة والملحمة، فلا داعي لذكر النظم، لأنه غير متوفر في السيرة العربية، وبالتالي فهي والرواية في هذا سواء.
ثانياً؛ السيرة تستعرض حكاية البطل من ولادته إلى وفاته، وربما تبدأ من فترة قبل ولادته لكي تبين الظروف التي ولد فيها. أما الرواية، فهي تحكي من سيرة البطل مجموعة من المواقف والأحداث تنتهي بمجرد أن تبدو النهاية مناسبة من الناحية الفنية، ولكن فعل الحكي هنا ربما يقوم على افتراض بداية ونهاية مجازيتين لحياة البطل، أي كأنّ الحياة التي تستحق أن تعاش أو تُحكى بدأها البطل من اللحظة التي اختارها السارد للبداية، وانتهت في اللحظة التي قررها السارد نهايةً للحكاية.
ثالثاً؛ السيرة عبارة عن قصة واحدة، أما الرواية فقد تكون مجموعة قصصية مركبة ذات بطل واحد وموضوع واحد، أو بعبارة أدق السرد الروائي له شكل عنقودي.
رابعاً؛ السيرة تُحكى بشكل استطرادي من البداية إلى النهاية، ولا يكون الاسترجاع فيها إلا نادرا، وإذا كان فلأسباب موضوعية وليس فنية، أما الرواية فقد تُحكى كلها بأسلوب استرجاعي، أو يتناوب فيها الاستطراد والاسترجاع لأسباب فنية مقصودة.
خامساً؛ إذا حدث استرجاع جزئي في السيرة، فهو لا يشير إلى الحضور الذاتي للمؤلف ولا يقوم على تسريد مختلجات الذات إلى جانب الموضوع. أما الرواية، فإن الاسترجاع فيها كثيرا ما يكون مرتبطا بتقييم المؤلف للحكاية التي يرويها، أي كأنّه يقول للمتلقي "انتبه لهذا الأمر الذي جعلني أتذكّر وأسترجع تلك الأحداث، ولا تكتفي بالأحداث وحدها". وهذا يعني أنّ الظروف الذاتية للسارد حاضرة إلى جانب موضوع السرد، أي أنها جزء من الحكاية التي يرويها. عندما تقرأ الرواية حاول أن تتوقّف عند الجمل التي تكون حدوداً فاصلة بين الاستطراد والاسترجاع، ودقق فيها لتعرف كيف ينظر السارد إلى حكايته وما مدى أهميتها بالنسبة إليه، فإن لم تجد ذلك فالأمر يتعلق بمناورات فنية محضة، الغرض منها اختبار ذاكرة المتلقي، فكأنّ السارد في هذه الحالة يأبى أن يمنح نصه للقارئ البليد أو السفيه، فيحيك الحكاية بأسلوب فنّي صعب، وهذا جوهر الأدب، لأنّ الأدب في الأصل سلطة فنية معارضة لسلطة المعتاد جملة وتفصيلا، ولذلك ظهرت البلاغة، والتي تحاكي الجبل الوعر الذي يلجأ إليه المتمردون على السلطة، فالشاعر يخبئ خطابه الثوري في ألفاظ ذات دلالات متعددة، وخلف تصاوير بلاغية لا يطالها القانون، والبلاغة السردية في العصور القديمة لم تكن متمثلة فقط في الأسلوب أو النظم الشعري (الملحمة مثلا) بل يمكن اعتبار قصص الحيوانات أيضا متوارية الخطابات خلف التصاوير البلاغية (كليلة ودمنة مثلا)، أي تورية الانسان في جسم الحيوان. ولو عدنا من هنا إلى السيرة في التراث العربي، فقد تبدو لنا خفيفة يسهل على القارئ ان يتحكم في حكايتها بقراءة عابرة، ولكن هل هذا يعني أنّ السيرة لا تنتمي إلى ما نسميه السلطة الأدبية؟. كلا، والسبب بسيط وهو أن بطل السيرة ليس إلا تورية لخطاب تلك السلطة، بمعنى ليس من الضروري أن يكون الزير أو فارس اليمن أو عنترة أو أبو زيد الهلالي موجودين حقا، وإنما قد يكونون مجرد تورية للمواضيع التي تمنع سلطة المعتاد أو السياسة أو القانون مناقشتها.