لقد كشفَ لنا الوقت كل شيء ، محَا إنبهارنا بالأشياء والأشخاص ، نعتاد فنتمسّك أو نرحل بيقين ، يجعلنا الوقت نفهم جيداً بعدَ كل إندفاعاتنا وخطواتنا التي كانت في إتجاهات ظنَنا في مسارِها طريق الصواب ، مع الوقت يسقط من حياتنا كل الأشخاص والأشياء التي دخلَتها عن طريق الخطَأ ، ليتنا حقاً نعي حكمة الأوقات والأخطاء..
نشعُر فجأة أننا لسنا بخير ، وكأنَّ ما نهرب منه يلاحقنا وينقض علينا دفعة واحدة ، يثقِل كاهلنا إلى أن يغرسنا أرضاً ، يمزقنا أشلاء ويرمينا كفُتات منفوث ، الذكريات تتدفق في رؤوسنا الواحدة تلو الأخرى ، نشعر بأنّ الليل طويل وبدأَ بإعادة جميع المشاهِد التي عشنا فيها حزناً ، كأننا نعيشها الآن ، كل ما كنا نتجنبه طيلة أيامنا المنصرِمة جاء يواجهنا ، يبعثرنا ، يقتلنا ، كل محاولاتنا لتجاوزه ونسيانه جاء ليُثبِت لنا أننا فشلنا ، هدوء يسود المكان وضجيج ينبعث من دواخلنا ، صمت لاذِع ، لا صديق بجانبنا ، لا ونيس ، لا أحد يسندنا ، نراقب ساعة الحائط وهي تدق وكأنّ دقات قلوبنا أسرع منها ، تتسارع نبضاتنا المجنونة وهي تضخ الدم ، ولا طاقة لنا بإيقاف بصيلات رؤوسنا عن التفكير ، نحن لازلنا هنا أو ربما لسنا هنا ، غادرنا إلى الماضي البعيد لننهي معارك مؤجّلة..نحن لسنا بخير أو ربما حين ننتهي سيأتينا الخير..
لم نعُد ننتظر شيء سوى مرور الوقت ، قوة الزمن هي مخرَجَنا الأخير للتغيير الذي لم نتخيّلهُ ، للإرباك الذي لم نفهمهُ ، للوجع الذي ظنَنّا أنه أعمارنا القادمة ..لا شيء يبقى على حاله..