["]في صباي ، على طول الطريق من البيت الى المدرسة كان بعض الأطفال يقذفون أويتقاذفون كل ما هو ملفوف من أكياس وعلب فارغة ،لا تنجو من أقدامهم حتى الحشرات والحيوانات الصغيرة، لماذا ؟..ذاك هو الشيء الذي استعصى علي ادراكه .. كنت أتألم ، فكل قذفة كانت كإحساسي بعقاب أمي التي كانت لا تكتفي براحة يديها، قرصات اصابعها ، وقذفات لسانها، فذاك كان أهون عندي من الحزام الجلدي المعلق على باب النافذة والذي كان يخلف دمغاته سوط عذاب على فخدي وأنى تكرمت به أمي بعشوائية كلما تأخرت في سبالة الحي اسقي ماء يكفي أغراض البيت ،أو سخرة أجلبها من عند البقال،أو طلبا أنقله لابي في دكانه ..
كنت مولعا بكل ورقة مرمية ، لا يهمني فيها شكل أو يحركني لون ، المهم أن تكون بها كتابة ، ألتقطها لاقرأ محتواها ،تستحوذ علي فأنسى السخرة وسطل الماء،بل وأنسى الزمن و البيت و أمي، أنسى نفسي لو وجدت في التمزيقة حكاية أو بعضا من حكاية ، فلن أستعيد ما أنا مأمور به حتى تترسخ الحكاية في عقلي أوأعوض المبتور بمتخيل ، ثم أشرع في حفظ المكتوب أردده بتشخيص وتلذذ ..
كانت ضربات أمي تتلاشى في معاني الحكاية ،وقد تضمحل بصبري وتحملي بين لذة ماوجدت واضفت ،ثم اكتمل له معنى ، بل كثيرا ما كان أثرها يفجر وأنا اتلوى من ألم ما نسيت مما كنت أحفظه من منجد الطلاب أسترجع الصفحات بترديد ، ومن المعجون بغيره مما تراكم من مذياع كنت مهووسا بسماعه ، أو من حكايا و ثرثرات النساء في ضريح مولاي ادريس حين كنت أرافق أمي في ليالي الجمع لتشعل شمعة بباب الوفا، وتدعو لان يكون ابنها ذا حرفة برزق وفير، بعيدا عن وظائف النصارى والمال الحرام .. ....