نحن لا نحبّ من يشبهنا، ولا نحبّ من يختلف عنّا، نحن نحبّ من يشعرنا بكمالنا؛ هناك قدر لذيذ من النّقص نحبّه فيمن أمامنا، ألا ترى البشر يمتدحون بحّة الصّوت؛ وهي رتبة وسطى بين القوة التّامّة والضّعف، ألا تراهم يمتدحون العين الناعسة وهي درجة بين البحلقة والإغماض، ويحبّون المشي المدلّل وهو سمت في الحركة ينتصف بين المشي النّشط والإقعاد !
هذا الضعف البشري يصبغ مشاعرنا بالألفة؛ الكمال التامّ يشعرنا بالمهابة، والضعف التّامّ يشعرنا بالرحمة، أمّا المنطقة الوسطى فهي منطقة دافئة تشعرنا بالألفة والارتياح.
وقد جُبل البشر على الوحشة من الآلة المؤنسنة والإنسان المؤلّل، لأننا نعلم أنه كُتب على ابن آدم حظّه من ارتخاء الجلد؛ فإذا لم يظهر ذلك أمامنا، فلربّما كان في خلوته متطرّفا في أخذ حظّه؛ لغياب الرّقيب؛ وهذا ليس تعميما.
نحبّ من يضحك ويحزن ويملّ وينشط ويكسل؛ نرى أنفسنا فيهم؛ كأنّهم بفتح باب طبيعتهم البشرية أمامنا يدعوننا للاقتراب والدّخول، أمّا أصحاب الجدّ الحجري فيصلحون للعرض؛ تماثيل في المتحف لا أكثر.