من قلب البساطة يأتي الجَمال

لم نعد نريد العثور على أحد، نريد أن نجد أنفسنا فقط ، قلوبنا التي انطفأت، أرواحنا التي تفتّتت، أحلامنا التي تبعثرت، وشغفنا الذي تلاشَى، نريد أن نسقي مشاعرنا التي نضبت من قسوة الخيبات.. نريد أن نجدنا نحن، أن نقف أمام مرايانا فنعرفنا لا نتساءل: من نحن؟

حين تضيق بي الحياة وتُحكِم قبضتها عليّ ، حين يُحاوطني اليأس من كل الجوانب ، ولا يبقى بيني وبين دموعي سوى كبريائي الذي يمنعها من السقوط ، أتذكر في هذه اللحظة والدي ، أسترجع شريط ذكرياتي ، كيف كانت حياتي جميلة بوجوده ، كيف كنت ، كيف كانت السعادة تملأ أيامي والأمل يشع من عيني ، أتذكر غدي ومستقبلي وحلمي ، فتبدأ دموعي بالإنهمار على خدّي ، وأبدأ بمسح بقاياها بقوة وعزم وإرادة ، وأخبر نفسي بأني تجاوزت أصعب مراحل حياتي ، تجاوزت الفقد والمرض ، تجاوزت القهر والألم ، العلة والفشل ، فكيف لا أتجاوز هذه الصعاب ، لقد كانت أبي رحمه الله مصدر قوتي في حياته ، وبعد مماته مصدر قوتي واستمراريتي لتجاوز العقبات بصبر لا ينضب...

لا تسألونا إن كنا بخير ،
لأننا حتماً سنخبركم دائماً أننا على ما يُرام ،
بادِروا بالحضن أولاً ، ستشعرون بدموعنا وهي تتساقط على أكتافكم بغزارة ، ستتأكدون أننا لسنا بخير ، حضن واحد فقط تعلمون من خلاله إن كان من تحبون بخير أو متعب وينتظركم كي يبكي في أحضانكم ، الحنية ضرورية في أيام قاسية موجعة نعيشها..

أشعر بسَواد داخل فرحتي داخل سعادتي ،
بل داخل كل لحظة أنوي أن أعيشها بسعادة ،
لا أعلم ماذا أصابني ،
وكأنني في مصارعة مع ذاتي ألف مرة في الدقيقة ،
أشعر كأن براكين وأعاصير تقام في أعماقي ،
لا أستطيع أن أتخذ قرار بشيء ،
أبكي دائماً بسبب ودون سبب ،
انعزلتُ عن الجميع ، نومي متقطّع ، نفسي كذلك ، تفكيري مشتت ،
حتى في عمق حزني أشعر بفرح جنوني ينتابني فجأة وضحكات هستيرية ،
أحاول كثيراً أن أكسر الروتين الذي أعيشه ولكني لا أستطيع ،
فمشاعري متضاربة والسواد الذي أشعر بوجوده يغمرني مجدداً ،
أخرج من عزلتي وأجالس من حولي ولكن سرعان ما يشدني شيء أجهله إلى مكاني
الذي أعيش فيه وحدي ،
أعلم أنك لا تفهم ما أقول ، أنا حتى لا أفهم ما يحدث معي ،
أفهم فقط ما أشعر به وأتخبط به ،لكني أعجز عن تفسيره ..أهو اكتئاب أم داء لا إسم له..

دوماً نهرب ..أحيانًا لننقِذ أنفسنا من شيء ،
وأحيانًا أكثر، لننقِذ شيئًا منّا ، شيء نسوا أن يدمروه بنا..

أتعرفون معنى أن تكونوا على حافة البكاء ولا تبكون ؟؟ ،
أن تبتسموا وتكملون الطريق ، وتتلقون الصدمات الواحدة تلو الأخرى دون أن تقاوموا ، فقط ،
تبتسمون وتكملون طريقكم ،
أن يتخلى عنكم البعض ويغيب البعض الآخر بحجة الظروف ، ولا تتمسكوا بأحد منهم ، فتبتسمون مرة أخرى وتكملون الطريق ،
وتخسرون حباً وتودّعون أهلاً ،
وتكتشفون معادن الأصدقاء دون تعليق منكم أو معاتبة أو لَوم
تبتسمون وتكملون الطريق ،
لقد جعلتكم الأيام تستقبلون الصدمات بصدور رحبة بمشاعر جامدة ،
ترَون بأعينكم كل شيء وتسمعون بآذانكم الحقائق ولكن بقلوب لا تشعر بشيء ،
جعلتكم الأيام فقط تبتسمون وتكملون الطريق بانتظار صدمات متوقعة ،
أنا ابتسمت وأكملت طريقي بل ووصلت إلى آخره..ألا يحق لي البكاء الآن وترك حافته قليلاً؟!!

تلك اللحظات التي تنتابك فجأة .. فتلوذ فيها بالصمت .. منعزلا على مقعد اعتدت الجلوس عليه ..
او منزويا في غرفتك .. تسير فيها افكارك عكس عقارب الساعه .. ترميك الى ماضٍ بعيد أو ذكريات مضت .. تسرقك فيها من زمانك وربما مكانك .. وحتى المحيطين بك ..

تلك اللحظات التي لا تعرف هل تبتسم لأنك عشت فيها أوقاتا جميلة .. أم تحزن لأنها لن تعود ..
تلك هي أسوأ اللحظات التي قد تمر بك .. وأنت غارق في بقايا ذكرياتك ..
وكم تدهشتي ابيات الشاعر الكبير عمر ابو ريشه ..
بسماتي ذهب الماضي بها
وخيالاتي طواها العدمٌ ..
وبقايا ذكرياتي تعبت
فهي لا تبكي ولا تبسمٌ ..

أحياناً لا نشعر بالأوقات الضائعة من أعمارنا إلا بعد خسارة عظيمة تكسرنا أو صفعة قوية تطيحنا أرضاً ،
فنجلس مرة واحدة في العمر بعد أيام قضيناها نركض لاهثين وراء وهم ،
نراجع حساباتنا كاملة لنرى كم كلفنا الركض خلف سراب الحب ،
نرى كم أحببنا وتألمنا واعتصرنا شوقاً ،
ورغم هذا لم نجتمع بمن أحببنا ،
لنرى كم ضحينا وتنازلنا وتجاوزنا وتخطينا ولم ينصفنا الحب ،
هنا تعزُّ علينا أنفسنا كيف وصلنا لهذا وكيف سنعود وحيدون إلى أشياء اعتدنا لمسها معهم ،
سنمشي الطريق بدونهم ، ونكمله لآخره بدون أنفسنا ،
نمشي في الفراغ دون أحلامنا وأمانينا ،
نكمل الطريق كأموات بأجساد متحركة فنحن نعلم أننا خسرنا أنفسنا
وأن ذلك الحب الكبير لم يكن سوى وهماً ،
وتجاوزنا وتجاوزنا بكثير من الأسف ، هنا فقط ندرك كم من أوقاتنا مضت هباء ،

ويبقى السؤال: كم من الوقت سيلزمنا للبدء من جديد واستعادة أنفسنا..

ليَشهد الرّحيم أننا لم نصبح أشدّاء القلب إلا مِن جُرم الأيام بِـ حقّنا ،
ومن قَساوة الأنفس التي آمنّاها من خوف ،
لم نكن قُساة ولن نكون وإنما أصبحنا نخشى تقلّب القلوب وتملّق الوجوه ولُطف الكلمات..

ما يُشعرك بتراجع الحب وبهتانه ، هو توقع تكرار الشعور بنفس ذات المشاعر ، أن يبقى أول شعور هو الطاغي .. لن تتكرر المشاعر ذاتها فمفاهيمنا للأشياء تتغير جزئياً أو كلياً.
تأقلم مع هذا الشخص الجديد وأكتشفه أو أتركه ، لكن لا تطالبه بالرجوع بآلة الزمن لأنك لو فعلت قد تُدمر ذكرياتك الجميلة معه...