خرج عطاء بن يسار وسليمان بن يسار حاجين من المدينة ، ومعهم أصحاب لهم ! ، حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلا لهم ! .
فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم ، وبقي عطاء قائما يصلي .
فدخلت عليه امرأة من الأعراب جميلة ! ، فلما شعر بها عطاء ظن أن لها حاجة ، فخفف صلاته ، فلما قضاها .
قال لها : ألك حاجة ؟
قالت : نعم .
فقال: ماهي ؟
قالت : قم ! .. فأصب مني ، فإني قد ودقت ( أي رغبت في الرجال ) ولا بعل لي ! .
فقال: إليك عني ! . لا تحرقيني ونفسك بالنار ! .
فجعلت تراوده عن نفسه ، وتأبى إلا ما تريد ، فجعل عطاء يبكي ويقول :
ويحك ! إليك عني . إليك عني .
واشتد بكاؤه ، فلما نظرت المرأة إليه وما دخله من البكاء والجزع بكت المرأة لبكائه !!
فبينما هو كذلك إذ رجع سليمان بن يسار من حاجته ، فلما نظر إلى عطاء يبكي ، والمرأة بين يديه تبكي في ناحية البيت ، بكى لبكائهما ، لا يدري ما أبكاهما .
وجعل أصحابهما يأتون رجلا رجلا ، كلما أتاهم رجل فرآهم يبكون جلس يبكي لبكائهم ، لا يسألهم عن أمرهم حتى كثر البكاء ، وعلا الصوت ! .
فلما رأت الأعرابية ذلك قامت فخرجت ، وقام القوم فدخلوا .
فلبث سليمان بعد ذلك زمنا وهو لا يسأل أخاه عن قصة المرأة إجلالا له وهيبة .
ثم إنهما قدما مصر لبعض حاجتهما ، فلبثا بها ما شاء الله ، فبينما عطاء ذات ليلة نائما استيقظ وهو يبكي ! .
فقال سليمان: ما يبكيك يا أخي ؟
قال عطاء : رؤيا رأيتها الليلة .
قال سليمان: ما هي؟
قال عطاء : بشرط أن لا تخبر بها أحدا مادمت حيا ! .
قال سليمان: لك ما شرطت .
قال عطاء: رأيت يوسف النبي عليه السلام في النوم ، فجئت أنظر إليه فيمن ينظر ، فلما رأيت حسنه ، بكيت ، فنظر إليّ في الناس .
فقال: ما يبكيك أيها الرجل ؟
قلت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله ، ذكرتك وامرأة العزيز ، وما ابتليتَ به من أمرها ، وما لقيتَ من السجن ، وفُرقة الشيخ يعقوب ، فبكيت من ذلك ، وجعلت أتعجب منه .
فقال يوسف عليه السلام: فهلا تعجب من صاحب المرأة البدوية بالأبواء ؟
فعرفت الذي أراد ، فبكيت واستيقظت باكيا .
فقال سليمان: أي أخي وما كان حال تلك المرأة ؟
فقص عليه عطاء القصة ، فما أخبر بها سليمان أحدا حتى مات عطاء ، فحدث بها امرأة من أهله ! .
( من كتاب ذم الهوى لابن الجوزي )